بقلم : عبدالفتاح المنطري
قادتني فرص البحث لأبنائي عن
مواقع يفجرون فيها مواهبهم إلى التعرف على كوكبة من خيرة المؤطرين
والمدربين من فتيان وفتيات الجمعية المغربية للطفولة والشباب من أجل
التنمية ، وهي الجمعية المستقلة الحديثة العهد التي تنشط على مستوى
دارالشباب – حي السلام بسلا.
ولست هنا أثني على جمعية دون
سواها ولا دار للشباب دون غيرها ، فجلها – ان لم نقل كلها – تكد وتجتهد من
أجل توسيع مدارك أبنائنا ودعم قدراتهم الفكرية والفنية، وهي مشكورة على هذه
المهمة الصعبة وغير المستحيلة وما يرافقها من صخب وشغب ومشاكسة بعض الصغار
، لكن يبقى همي الأول وهم الكثيرين من الغيورين عن أطفال وشبيبة أمتنا أن
نحسس الآباء والأمهات بضرورة دعوة أبنائهم إلى الانخراط في دور الشباب
والجمعيات الجادة المنتشرة في كل ربوع المملكة ، والتي توفر قدرالممكن
الوسائل وآليات الاشتغال والفضاءات المخصصة لممارسة مختلف الأنشطة التربوية
والثقافية والرياضية .
وقد ساهمت أيضا وبشكل ملحوظ
،الدولة والجماعات المحلية والفاعلون في الميدان خصوصا في السنوات الأخيرة
في بناء وتجهيز العديد من المركبات السوسيو- ثقافية والرياضية والاجتماعية
وغيرها مما يمكن للأطفال والشباب من إبراز مواهبهم والكشف عن طاقاتهم في كل
المجالات الممكنة ، كما تحمي أبناء الأمة من غول الإرهاب القاتل ومن ثالوث الإجرام الخطير : الجهل والإدمان والعنف .
لنعد إذن إلى ما استمتعت به
والحضور الكريم بدار الشباب من لوحات فنية وتعبيرية ومسرحية ورقصات جميلة
ومتنوعة تغوص في أعماق الوجدان تؤديها في كل المناسبات فرق مشكلة من نسائم
ربيع الطفولة والشباب تؤطرها مجموعة شابة من التلاميذ والطلبة من نشطاء
الجمعية ، ولطالما ترددت أسماؤهم على ألسنة الصغار من فرط حبهم لهم
وإعجابهم بأفكارهم وعطاءاتهم في الميدان وعلى الخشبة ، حتى صرت أحفظها
معهم وكأن بداخلي طفل ينادي هو أيضا على طارق وعلاء وهشام وأحمد وجمال
وأسامة وحياة وعبدالخالق رئيس النادي التربوي وغيرهم من الفاعلين والفاعلات
في الأنشطة الجمعوية ممن لم تحفظهم ذاكرتي وقت التردد ، ولا شك أن كل واحد
أو واحدة منهم يشكلون بتعاونهم وتنسيقهم وبعملهم الدؤوب والمضني لبنة
بعضها فوق بعض لتشييد ذلك البناء المرصوص الذي نحلم به جميعا وهو جيل الغد
وأمة المستقبل . هؤلاء الفتية وغيرهم من المشتغلين في هذا
المجال يحتاجون منا إلى الدعم المعنوي والشكر الموصول عبر مختلف وسائل
الإعلام السمعية والبصرية ومواقع الصحف الإلكترونية الواسعة الإنتشار بقدر حاجتهم إلى توفرهم على آليات الإشتغال الكافية والوسائل اللوجيستكية والمالية المستوفية للغرض.
ويخيل إلي وأنا أستمتع بذلك
الحلم الجميل من أحلام الطفولة والشباب وهم يؤثثون أعمالهم من فوق الخشبة ،
أنني عدت إلى سنوات العمر الأولى وهي الأحلى عند كل إنسان ، وهنا تطوى
المراحل كلها ويعاد تأسيس مفهوم القيم ليغلب جانب الخير على جانب الشر في
نفوسنا ، ونستحضر معاني النبل والطهر والإخاء والمساواة والتسامح وحب
الوالدين وعشق الوطن ونبذ الإرهاب وغيرها من القيم الإيجابية التي تشتغل
عليها دور الشباب والجمعيات التي تدور في فلكها.
وبقدر ما أسعد لما أرى مثل هؤلاء
الشبان والشابات والأطفال والطفلات يملؤون فضاءات دور الشباب والأندية
والجمعيات المهتمة بهم ، بقدر ما يعتصر قلبي ألما وحزنا على غيرهم ممن
اختاروا أسهل الطرق في تضييع الجهود وقتل الوقت وملء الأزقة والشوارع بما
لا ينفع ولا يفيد أو استهلاك ما ينخر الصدر ويقضي عل العقل ، وثالثة
الأتافي هي الفئة التي تقاد بوعي أو بدون وعي الى ماكينة الارهاب أو إلى
مسلسل الإجرام .
وهنا يأتي دور الآباء والأمهات
على وجه الخصوص، وهم ثلاثة أصناف : إما مدرك لأهمية الفضاءات التربوية كدور
الشباب فلا يدع فرصة تضيع منه للإنخراط والمشاركة والحضور الفعلي ، حيث
لاحظت تهافتهم على ذلك ، وخاصة من جانب الكثير من الأمهات ، فمنهن من
تتحملن العناء من أجل تلك الفرصة أو من تحمل رضيعها بين ذراعيها وتبحث لها
عن موقع بين الحضور، وكلهن يزغردن ويصفقن فرحا بأعمال أطفالهن على الخشبة ،
وإما مدرك لأهمية ذلك ، غير أنه متردد أو متخوف من المغامرة ، فيحرص على
عزل أبنائه عن العالم الخارجي بما فيه الشارع والدرب أو الحومة وحتى عن
بعض الأصدقاء غير الموثوق بهم ، ويكتفي بالخروج معهم والحلول معهم أينما
حلوا أو ارتحلوا ، لا يفارقهم قيد أنملة سوى عن المدرسة والنشاط الرياضي
وخلافه، وإما غير مدرك تماما لتلك الأهمية أو غير مبال بالمرة بأبنائه ،
فيدعهم يتخبطون في لغة الشارع ويتعلمون أقبح الأوصاف منه ، لا يسأل عنهم
متى خرجوا ولا متى عادوا منه ، تاركا إياهم يعبثون بمرافق البيئة والمجتمع
ويزعجون العباد بشتى وسائل اللعب غير الآمن في الأزقة والشوارع وعند مداخل
الأسواق وأبواب المساكن ومواقف السيارات والحافلات وغيرها من المواقع التي
لا تحتمل أكثر من مهمتها التي وضعت من أجلها .
وللصنف الأول ، تحية إجلال وإكبار
لما يتحملونه من أعباء مضافة إلى أعبائهم طوال السنة الدراسية ، وللصنف
الثاني أقول ما قاله الله سبحانه وتعالى لأم موسى عليه السلام ” فَإِذَا
خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ” ، وقد
ألقته بالفعل، وهو رضيع في النهر حتى كان ما كان بقصر فرعون ، كبر الصبي
وصار آية من آيات الرسل والأنبياء. فلا تترددوا أيها الآباء والأمهات في
دمج أبنائكم بهذه الفضاءات التربوية والثقافية والرياضية والاجتماعية ،
ففيها الخير الكثير لكم ولأبنائكم وللوطن ككل.
أما الصنف الثالث وهو الأثقل على
المجتمع، فندعوه إلى مراجعة نفسه لأنه يلعب بالنار ولا يدري ، وما أكثر
الحوادث الضارة التي تقع بسبب تهور ومجازفة أبناء هذا الصنف في الشارع
العام ، وهو الذي يحتاج منا تعبئة وطنية عظمى عبر مختلف الوسائل التعليمية
والتواصلية ، تنخرط فيها الأسر من جهتها ودور الشباب وما يرتبط بها من
جمعيات وفضاءات تربوية من جهة أخرى، وكذا وسائل الإتصال الجماهيري
والمدارس والمساجد والأندية الثقافية والمكتبات العامة .
ومن المفارقات العجيبة أنني كلما
زرت بلدا في أوروبا أو أمريكا الشمالية ، وهو ما قد يلاحظه أي زائر لتلك
البلدان المتحضرة ، يصعب علي أن أعثر على أطفال في الأزقة والشوارع ،
وكأن البلد لا ينجب أطفالا أو ليس به أطفال ، لكن الحقيقة أنهم منتظمون في
برامجهم وأوقاتهم ، وازدادت دهشتي لما رأيتهم يملؤون مكتبات البلديات
والمدارس والمنتزهات والملاعب والأندية والمركبات الثقافية ودور الشباب.
بمثل هذا السلوك الحضاري نبني جيل
الغد ونصنع أمة المستقبل ، وشئنا أم أبينا ، ففلسفة القرب في المنظومة
التربوية لن تتكامل إلا بارتباط المدرسة بالأسرة وأصدقاء البر والجمعية
الفاعلة في الميدان ودار الشباب ومسجد الحي وفضاءات القرب التي يمارس فيها
الأطفال والشباب أنشطتهم اليومية أو الأسبوعية ، وكذا برامج التخييم
الصيفية التي قد تساهم أيضا في بناء الشخصية السوية الواثقة من ذاتها
ومؤهلاتها والخدومة لأسرتها و المحبة لوطنها .
واذا كان المثل يقول : “عرس ليلة تدبيره عام” ، فإنه يمكن القول أن إعداد جيل واحد ، تدبيره العمر كله .